سورة التين - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التين)


        


{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1)}
فيه ثلاث مسائل: الأول- قوله تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} قال ابن عباس والحسن ومجاهد وعكرمة وإبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح وجابر بن زيد ومقاتل والكلبي: هو تينكم الذي تأكلون، وزيتونكم الذي تعصرون منه الزيت، قال الله تعالى: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ} [المؤمنون: 20].
وقال أبو ذر: أهدي للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سل تين، فقال: «كلوا واكل منه. ثم قال: لو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة لقلت هذه، لان فاكهة الجنة بلا عجم، فكلوها فإنها تقطع البواسير، وتنفع من النقرس». وعن معاذ أنه أستاك بقضيب زيتون، وقال سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «السواك الزيتون! من الشجرة المباركة، يطيب الفم، ويذهب بالحفر، وهي سواكي وسواك الأنبياء من قبلي». وروي عن ابن عباس أيضا: التين: مسجد نوح عليه السلام الذي بني على الجودي، والزيتون: مسجد بيت المقدس.
وقال الضحاك: التين: المسجد الحرام، والزيتون المسجد الأقصى. ابن زيد: التين: مسجد دمشق، والزيتون: مسجد بيت المقدس. قتادة: التين: الجبل الذي عليه دمشق: والزيتون: الجبل الذي عليه بيت المقدس.
وقال محمد بن كعب: التين: مسجد أصحاب الكهف، والزيتون: مسجد إيلياء.
وقال كعب الاخبار وقتادة أيضا وعكرمة وابن زيد: التين: دمشق، والزيتون: بيت المقدس. وهذا اختيار الطبري.
وقال الفراء: سمعت رجلا من أهل الشام يقول: التين: جبال ما بين حلوان إلى همذان، والزيتون: جبال الشام.
وقيل: هما جبلان بالشام، يقال لهما طور زيتا وطور تينا بالسريانية سميا بذلك لأنهما ينبتانهما. وكذا روى أبو مكين عن عكرمة، قال: التين والزيتون: جبلان بالشام.
وقال النابغة:
أتين التين عن عرض ***
وهذا اسم موضع. ويجوز أن يكون ذلك على حذف مضاف، أي ومنابت التين والزيتون. ولكن لا دليل على ذلك من ظاهر التنزيل، ولا من قول من لا يجوز خلافه، قاله النحاس.
الثانية: وأصح هذه الأقوال الأول، لأنه الحقيقة، ولا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا بدليل. وإنما أقسم الله بالتين، لأنه كان ستر آدم في الجنة، لقوله تعالى: {يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 22] وكان ورق التين.
وقيل: أقسم به ليبين وجه المنة العظمى فيه، فإنه جميل المنظر، طيب المخبر، نشر الرائحة، سهل الجني، على قدر المضغة. وقد أحسن القائل فيه:
انظر إلى التين في الغصون ضحى *** ممزق الجلد مائل العنق
كأنه رب نعمة سلبت *** فعاد بعد الجديد في الخلق
أصغر ما في النهود أكبره *** لكن ينادى عليه في الطرق
وقال آخر:
التين يعدل عندي كل فاكهة *** إذا انثنى مائلا في غصنه الزاهي
مخمش الوجه قد سالت حلاوته *** كأنه راكع من خشية الله
وأقسم بالزيتون لأنه مثل به إبراهيم في قوله تعالى: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} [النور: 35]. وهو أكثر أدم أهل الشام والمغرب، يصطبغون به، ويستعملونه في طبيخهم، ويستصبحون به، ويداوي به أدواء الجوف والقروح والجراحات، وفية منافع كثيرة.
وقال عليه السلام: «كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة». وقد مضى في سورة المؤمنون القول فيه.
الثالثة: قال ابن العربي ولامتنان البارئ سبحانه، وتعظيم المنة في التين، وأنه مقتات مدخر فلذلك قلنا بوجوب الزكاة فيه. وإنما فر كثير من العلماء من التصريح بوجوب الزكاة فيه، تقية جور الولاة، فإنهم يتحاملون في الأموال الزكاتية، فيأخذونها مغرما، حسب ما أنذر به الصادق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فكره العلماء أن يجعلوا لهم سبيلا إلى مال آخر يتشططون فيه، ولكن ينبغي للمرء أن يخرج عن نعمة ربه، بأداء حقه. وقد قال الشافعي لهذه العلة وغيرها: لا زكاة في الزيتون. والصحيح وجوب الزكاة فيهما.


{وَطُورِ سِينِينَ (2)}
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد وَطُورِ قال: جبل. سِينِينَ قال: مبارك بالسريانية. وعن عكرمة عن ابن عباس قال: طُورِ جبل، وسِينِينَ، حسن.
وقال قتادة: سينين هو المبارك الحسن. وعن عكرمة قال: الجبل الذي نادى الله جل ثناؤه منه موسى عليه السلام.
وقال مقاتل والكلبي: سِينِينَ كل جبل فيه شجر مثمر، فهو سينين وسيناء، بلغة النبط وعن عمرو بن ميمون قال: صليت مع عمر بن الخطاب العشاء بمكة، فقرأ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ.
وطور سيناء. وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ قال: وهكذا هي في قراءة عبد الله، ورفع صوته تعظيما للبيت. وقرأ في الركعة الثانية: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ} [الفيل: 1]. و{لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} [قريش: 1] جمع بينهما. ذكره ابن الأنباري. النحاس: وفي قراءة عبد الله: {سيناء} بكسر السين، وفي حديث عمرو بن ميمون عن عمر بفتح السين.
وقال الأخفش: طُورِ جبل. وسِينِينَ شجر واحدته سينينية.
وقال أبو علي: سِينِينَ فعليل، فكررت اللام التي هي نون فيه، كما كررت في زحليل: للمكان الزلق، وكرديده: للقطعة من التمر، وخنذيد: للطويل. ولم ينصرف سِينِينَ كما لم ينصرف سيناء، لأنه جعل اسما لبقعة أو أرض، ولو جعل اسما للمكان أو للمنزل أو اسم مذكر لانصرف، لأنك سميت مذكرا بمذكر. وإنما أقسم بهذا الجبل لأنه بالشام والأرض المقدسة، وقد بارك الله فيهما، كما قال: {إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ} [الاسراء: 1].


{وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)}
يعني مكة. سماه أمينا لأنه آمن، كما قال: {أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً} [العنكبوت: 67] فالأمين: بمعنى الآمن، قاله الفراء وغيره. قال الشاعر:
ألم تعلمي يا أسم ويحك أنني *** حلفت يمينا لا أخون أميني
يعني: آمني. وبهذا احتج من قال: إنه أراد بالتين دمشق، وبالزيتون بيت المقدس. فأقسم الله بجبل دمشق، لأنه مأوى عيسى عليه السلام، وبجبل بيت المقدس، لأنه مقام الأنبياء عليهم السلام، وبمكة لأنها أثر إبراهيم ودار محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

1 | 2 | 3